قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  على الملحد، ثم قال #: ومثال ذلك من الشاهد أنا لو هجمنا على آلات من آلات الصانع فرأينا اعوجاج المعوجات، واستواء المستويات، وصغر بعضها، وكبر بعضها وغلظ بعضها، ورقة بعضها، فحكمنا على أن صانعها غير حكيم لكنا جاهلين بالحكمة نضع الحكمة في غير موضعها، بل حينئذٍ الواجب علينا أن نسلم للحكماء حكمتهم، ونعرف أنهم لا يفعلون شيئاً من ذلك إلا لضرب من الحكمة يعرفونه، ونعلم بأن المعوج والمستوي وكل زوج منها يصلح لعمل لا يصلح له الآخر، فحينئذٍ وضعنا الحكمة في موضعها، فاعرف ذلك وتبينه تجده كما قلنا إن شاء الله.
  قال #: ولما كانت أفعال الله تعالى كلها إحساناً أوداعية إلى الإحسان كان تبارك وتعالى بفعلها كلها حكيماً؛ إذ كل ذلك حسن في العقل.
  قلت: ولعمري إن هذا الذي أورده القاسم # حجة واضحة قوية، ولقد انقاد لها ذلك الملحد فأسلم، وحسن إسلامه {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ٧٨}[النساء].
  الوجه الثالث: أن الوجه الذي لأجله حسن تكليف من المعلوم أنه يؤمن حاصل في تكليف من المعلوم أنه يكفر وهو ما قدمنا من أنه تعالى أقدره على الإيمان، وأعلمه بما له فيه من المنافع، وأزاح علله.
  وبالجملة إنه قد عرضه للثواب تعريضاً تاماً، ولا فرق بين التكليفين إلا أن المؤمن أحسن الاختيار لنفسه، والكافر أساء الاختيار لنفسه، وذلك لا يخرج القديم تعالى عن كونه متفضلاً عليهما جميعاً