مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1627 - الجزء 3

  تكليف من المعلوم من حاله عدم القبول؛ إذ لا فارق. وأيضاً لوكان العلم بالقبول شرطاً في حسن التكليف لقبح كل أمر ونهي في الشاهد؛ لأن أحدنا لا يمكنه القطع على ما يكون في المستقبل، ومعلوم حسن ذلك مع الشك، بل مع الظن لعدم القبول، ذكر هذا القرشي. وأيضاً قد تقدم أن النعمة تكون نعمة وإحساناً، وإن لم يقع هذا الانتفاع بها، وحينئذٍ فلا وجه لاشتراط العلم بالقبول؛ إذ لا وجه لاشتراطه إلا لو كان تمام النعمة والإحسان وقوع الانتفاع؛ لأنه مترتب على القبول، وقد ثبت خلافه فبطل هذا الشرط.

  الوجه الرابع: ذكره قاضي القضاة (|) وهو أنه لو لم يكلف الله إلا من المعلوم أنه يؤمن لكان ذلك إغراء بالقبيح؛ لأن المرء إذا علم أن الله لا يكلفه إلا وقد علم من حاله أنه يؤمن لا محالة، وأنه يصل إلى الثواب كان مغرى بالقبيح، وذلك قبيح، وفي قبحه دليل على أنه تعالى كما يكلف من يعلم من حاله أنه يؤمن فإنه يكلف من يعلم من حاله أنه يكفر، ولا بد من ذلك ليعلم المكلف أن الأمر فيما ينفعه أو يضره موكول إلى اختياره، ومفوض إليه، فإن أحسن الاختيار لنفسه واختار الإيمان تخلص من العقاب وظفر بالثواب، وإلا استوجب من الله العقوبة. فثبت بهذه الوجوه حسن تكليف من علم الله أنه يكفر. والحمد لله.

  وبقي الكلام في حل الشبه التي أوردها الرازي في تقرير هذه الشبهة، وكذا سائر ما يوردونه في تقريرها، فنقول: قالوا: لولا التكليف لكان يستضر الكافر؛ إذ التكليف سبب العقاب.