قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  قلنا: الضرر الذي لحقه ليس لأجل التكليف، بل لأجل الكفر وإن كان لا يصح إلا مع التكليف، وليس ذلك يقتضي كون التكليف لا يصح إلا معها، بل كان يجب أن تكون القدرة والآلة والعلم سبباً للمضرة؛ لأن التكليف لا يصح إلا معها، بل كان يجب أن تكون حياة المقتول سبباً في قتله؛ لأنه لولاها لما صح القتل، وخلافه معلوم.
  والحاصل أن التكليف تمكين المكلف من نفع نفسه وضرها، كما أن القدرة ونحوها كذلك، فصح أنه ليس سبباً في العقاب، سلمنا لكنا نقول: إن الله تعالى لا يخرج بذلك عن كونه منعماً ومحسناً إليه بالتكليف، مع أن غرضه تعريضه إلى درجة لا تنال إلا به، وصار الحال في ذلك كالحال فيمن تفضل على غيره بدنانير فضيعها ذلك الغير واغتم لمكانها، فكما لا يقال: بخروج هذا المعطي عن كونه منعماً، فكذلك هاهنا؛ يبين ذلك أن المضيع للدنانير ليس هو المعطي، وإنما ضيعها هو بنفسه، وكذلك هنا المضر ليس هو الله تعالى بل الكافر هو الذي أضر بنفسه حيث أساء الاختيار حتى استوجب العقوبة، وأما الباري تعالى فإنما استوفى حقه ولا قبح في ذلك.
  قالوا: إذا لم يحصل المقصود بالتكليف وهو الإيمان يكون عبثاً.
  قلنا: العبث هو كل فعل يفعله الفاعل من دون غرض مثله نحو: أن يركب أحدنا الأهوال والأخطار ليربح على درهم درهماً مثله مع أنه يقدر على تحصيله بسهولة، ونحو: أن يستأجر أجيراً بأجرة تامة ليصب الماء من دلو إلى دلو من دون أن يكون له في ذلك غرض،