قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  والتكليف غير مفعول على هذا الوجه، فبطل أن يكون عبثاً؛ إذ الغرض به التمكين من النفع، وهو التعريض للثواب، وذلك حاصل في هذا التكليف حصوله في تكليف من المعلوم أنه يؤمن وليس الغرض به نفس الإيمان، والتمكين من النفع يجري عند العقلاء مجرى النفع في حسنه، وكونه نعمة، ولولا هذا لم يثبت في الشاهد نعمة لأحد على أحد؛ لأن أكثر ما يفعله المنعمون في الشاهد التمكين من النفع فقط.
  قالوا: إدلاء الحبل إلى الغريق إذا علم أنه يخنق به نفسه قبيح، وإن كان غرضه تخليصه، فكذلك يقبح تكليف من المعلوم أنه يهلك نفسه بِهِ، وإن كان غرضه تعريضه.
  قلنا: هذا مبني على أن المكلف أهلك نفسه بالتكليف كما خنق الغريق نفسه بالحبل، وليس كذلك، وإنما أهلك نفسه بالكفر الذي لا يصح إلا مع التكليف؛ على أن المدلى إليه الحبل يجب أن ينظر في حاله، فإن كان متمكناً من قتل نفسه قبل إدلاء الحبل، لكن المعلوم من حاله أنه لا يقتل نفسه إلا عند إدلائه فإن إدلاء الحبل يكون قبيحاً؛ لأنه مفسدة، وكذلك إن كان يمكنه تخليص نفسه من دون إدلاء الحبل فإنه يكون مفسدة، وإن كان لا يتمكن من الخنق ولا من تخليص نفسه إلا بهذا الحبل فإنه يحسن إدلاؤه إن كان المدلي قاصداً تخليصه، ولو علم أنه يخنق به نفسه؛ لأنه يكون تمكيناً، وهذا حال التكليف فإن المكلف لا يتمكن من تخليص نفسه، ولا من إهلاكها إلا بالتكليف، وحسن هذا التمكين في الموضعين واحد؛ لأن الغرض واحد، ولا يجوز أن يقال: إن هذا التمكين قبيح؛ لأنه كما هو تمكين