قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  من الحسن فهو تمكين من القبيح؛ لأنه لو قبح لهذا الوجه لقبح كل تمكين في العالم؛ إذ التمكين من الحسن لا يتصور إلا وهو تمكين من القبيح، ولهذا فإن القدرة على الشيء قدرة على جنس ضده، فما من قدرة يمكن أن يفعل الخير بها إلا ويمكن أن يفعل بها الشر.
  قالوا: إذا كان يقبح من الله تعالى أن يكلف زيداً إذا علم أن عمراً يكفر عند تكليفه فلأن يقبح تكليف زيد إذا علم أنه نفسه يكفر أولى وأحرى.
  قلنا: إنما قبح في الصورة الأولى لأنه علم أنه يكفر عمرو لأجل تكليف زيد، بخلاف الصورة الثانية فإنه لم يكفر زيد لأجل تكليفه، بل لسوء اختياره، والتكليف تمكين من الكفر فقط كالقدرة والآلة، فلا يجب قبحه.
  قالوا: إذا كلفنا الله تعالى فلا بد من أن يريد منا ما يتعلق به التكليف؛ ليحسن منه تكليفنا، والإرادة لا تتعلق بما المعلوم من حاله أنه لا يقع فلا يحسن تكليف من علم من حاله أنه لا يؤمن.
  قلنا: لا نسلم أن الإراداة لا تتعلق بما لا يقع، بل تتعلق بالمعلوم وقوعه، وبالمعلوم عدم وقوعه على سواء؛ والدليل على ذلك أن الإرادة إذا تعلقت بالشيء فإنما تتعلق به لصحة حدوثه، ومن المعلوم أنه لا يقع كالمعلوم وقوعه في صحة الحدوث، فكيف لا تتعلق به الإرادة، ألا ترى أن أحدنا يريد ما يشك في وقوعه، بل ما يعلم أنه لا يقع كإرادة النبي ÷ إيمان أبي لهب، وكإرادتنا من الكفار أن يؤمنوا دفعة واحدة، مع أنا نعلم بالعادة أن ذلك لا يقع.