قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  قلنا: التجهيل ممتنع؛ لأنه ما به يصير الشيء جاهلاً والإيمان لا يصير الشيء جاهلاً، وأيضاً فإن الله تعالى كما علم من حال الكافر أنه لا يؤمن فقد علم من حاله أنه لو اختار الإيمان لقدر عليه، وهذا هو الذي يحتاج إليه المكلف في اختيار الإيمان لا علم الله تعالى به، وقد استوفينا الكلام على هذه المسألة في المسألة الرابعة مما يتعلق بهاتين الآيتين.
  وأما قوله: بأن تعلق القدرة بما المعلوم أنه لا يقع محال، فقد تقدم الجواب عنه قريباً.
  قالوا: إذا أمر الوالد ولده بالتجارة وطلب المنافع، وهو يعلم أنه يهلك دونها ولا يصل إليها قبح منه؛ إذ لا شك أن العقلاء يستقبحون من العاقل أن يفعل فعلاً لغرض مع حصول اليقين بأنه لا يفضي إلى ذلك الغرض، وإنما يفضي إلى ضده.
  قلنا: لا شك فيما قلتم، لكنكم جهلتم الفرق بين هذه الصورة وبين التكليف؛ فإنه إنما قبح هنا لأنه إنما يأمر ولده بذلك لنفع نفسه، ولتحصل له زيادة مسرة بما يصل إلى ولده من المنافع، فمتى أمره مع العلم بأنه يهلك دونها كان ناقضاً لغرضه، وكالجالب إلى نفسه ضرراً وغماً ولم يحصل من هذا شيء في التكليف؛ لأن الباري تعالى لا ينتفع به، ولا يلحقه ضرر عند فوت النفع وضرر المكلف، فلم يقبح منه، فإنما هو كمن يستدعي الغير إلى الدين والصلاة ليحصل له نفع وهو يعلم أنه لا يقبل.