مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1643 - الجزء 3

  من وافر حجته ما بأقل قليله يؤدي إليه ما ألزمه من فرضه مثل رجل له غلامان فدفع إلى أحدهما شمعة كبيرة متوقدة، ودفع إلى الآخر شمعتين، ثم قال لهما: يحرق كل واحد منهما شيئاً من حشيش بما معه من النار، فإن قال صاحب الشمعة: أعطتيني شمعة واحدة، وأعطيت صاحبي شمعتين ثم ساويت بيننا في إحراق الحشيش فقد ظلمتني في ذلك، وجرت علي؛ إذ كلفتني مثل ما كلفت صاحبي، وقد زدته شمعة على شمعتي هل ترى أيها السائل: هذا القائل صاحب الشمعة الواحدة صادقاً في قوله أو مصيباً في لفظه؟ أو ترى له حجة على سيده وقد أعطاه من النار ما بأقل قليله يحرق بيوتاً كثيرة؟ فإن قال: قد كان العبد في ذلك مصيباً، وبالحق محتجاً، والسيد له ظالم، وفي تكليفه له غاشم، حين كلفه من الإحراق مثل ما كلف صاحبه، وقد أعطى صاحبه شمعتين وأعطاه شمعة واحدة، كان في قوله ذلك محيلاً، وعن الصواب عادلاً، ولم يقل ذلك حقاً؛ لأن قليل النار يأتي من إحراق الحشيش على ما يأتي كثيرها، ويتفرع منها من الالتهاب عند احتراق الحشيش ما لا يكون لصاحب ثنتين ولا ثلاث ولا أربع فَضْلٌ في عمله وفعله على صاحب الواحدة، وكل ينال بما أعطى أكثر مما كلف وأعطي، وإن قال: لا أرى لصاحب الشمعة الواحدة على سيده حجة في دفعه إلى صاحبه شمعتين؛ لأن المكلف الذي كلفهما إياه ينال بأقل من واحدة، فلذلك قلنا: إنه لا حجة لصاحب الواحدة على سيده، وصاحب الواحدة ظالم لسيده، غير محتج بحق على مالكه؛ لأنه قد ساوى بينه وبين صاحب الثنتين فيما دفع إليه من النار التي بأقل قليلها