مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1644 - الجزء 3

  ينال من إحراق بيوت كثيرة ما ينال صاحب الثنتين، والثلاث، والأربع لوكان، فإذا قال بالحق، ورجع إلى الصدق، قيل له عند إقراره ومعرفته بالأمر: إذا كان كذلك فقد أصبت، وقلت بالحق، وثبت على الاستواء، وثبت لك بذلك ما أحببت معرفته من عدل الله سبحانه في ذلك وحكمته، ولطيف صنعه وقدرته؛ فعلى هذا المثال يخرج ما تقدم منا من المقال، فيما أعطاه الله العباد من حجة عقولهم، وساوى بينهم فيما ركب من ذلك في صدورهم، فجعل كل من لزمه عقاب على فعله في حجة العقل سواء، فكل قد ركب فيه ما بأقل قليله ينال به أكثر مما افترض الله عليه، ويستدل به على حاجته منه وفيه، ويميز به بين أعماله ويهتدي به إلى فواضل أفعاله، ويصل به إلى الاختيار في الحالين، والتمييز بين العملين، وسلوك ما شاء من النجدين {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال ٤٢].

  فلم تكن لمن أعطي من حجة العقل ما ذكرنا على الله سبحانه حجة في شيء من أموره، ولا بسبب من أسبابه، بما فضل به عليه غيره من بعد المساواة فيما يحتاج إليه، كما لم يكن لصاحب الشمعة الواحدة على سيده في إحراق ما أمره بإحراقه حجة بإعطائه لصاحبه شمعتين؛ إذ المعنى في ذلك واحد في الواحدة والثنتين، والدرك بالجزء الواحد لما أمر به من النار وإحراق الحشيش كالدرك بالجزئين.

  قلت: ومن تأمل ما ضربه الهادي # من المثل زال عنه الشك، ووضح له الحق إن أنصف من نفسه، وترك العناد والمكابرة.