قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  عليه، فإن استقباح ذلك أعظم مما لو قتله قبل أن يهب له شيئاً، والعاصون ما يتمكنون من معصية الله إلا بنعمته التي أنعم بها عليهم، فقبح معصيته لا نهاية له لو كان أمراً وجودياً فصح ما احتج به أبو علي.
  قلت: وهذا الدليل بهذا التقرير الذي حرره الإمام المهدي # أوضح ما ذكر من الأدلة على المقصود(١) وأصحها. والله الهادي.
  الدليل الخامس: أن من أحبط ثوابه بالكبيرة فقد استحق حرمان الثواب؛ لأنه لا يجوز أن يثاب وهو مستحق الإهانة، والاستخفاف، وحرمان الثواب دائم وحرمانه عقاب، فدل على أنه يستحق العقاب دائماً. ورده الموفق بالله #؛ لأن حرمان الثواب أن لا يفعل الثواب به، وذلك لا يكون عقاباً؛ لأن العقاب هو الضرر المستحق المفعول بالغير على وجه الخلوص من كل راحة، وليس هو أن لا يفعل منافع مقترنة بالإجلال والتعظيم؛ ألا ترى أنه يجوز عقلاً أن لا يفعل به الثواب ولا العقاب، فلا يكون معاقباً.
  الدليل السادس: أن الثواب قد ثبت كونه دائماً، وثبت أنه ينحبط بالشرك، ولا يجوز أن ينحبط بعقاب الشرك وهو منقطع؛ لأن ما لا يتناهى أعظم مما يتناهى، فكيف نجوز أن يسقطه، فلا بد أن يقال: إنه غير متناهي كما أن الثواب غير متناهي. إذا عرفت ما تقدم، وثبت لك بالدلائل العقلية حسن دوام العقاب، فلنرجع إلى ما وعدنا به
(١) وهو دوام العقاب. تمت مؤلف.