قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  من حل شبهة الخصوم في هذا الموضع، وإن كان ما تقدم يغني عن ذلك إلا أن في هذا زيادة توضيح، وبيان بطلان الشبهة على التفصيل، فنقول: إن القوم ذكروا في تأييد شبهتهم ثلاث طرق:
  الأولى: قياس فعل الله للعقاب على فعل من عاقب المسيء إليه ليشفي غيظه ويأخذ بثأره، فإنه يمل ويشبع منه، بحيث أنه لو لم يقع منه ذلك استحق الذم على مجاوزة الحد.
  والجواب: أن الله تعالى لم يعاقب العاصي ليشفي غيظه ولا ليأخذ بثأره، وإنما عاقبه لأنه أخل بالواجب وارتكب القبائح، ومعلوم أن من أخل بالواجب وارتكب القبيح فإنه يستحق الذم دائماً، وقد تقرر أن العقاب يستحق بما يستحق به الذم، يثبت بثباته، ويسقط بسقوطه.
  وبعد، فإن الوصف بالملل والشبع يختص بالمخلوقين، وإذا كانت خاصة بالمخلوقين بطل قياسكم الذي بنيتم عليه عدم الدوام؛ لأن هذين الوصفين إذا انتفيا في حقه تعالى لم يكن ثم مانع من الدوام.
  وأما قولكم: إنه لو لم يقع منه رقة ولا ملل لاستحق الذم، فليس استحقاقه للذم إلا بسبب الزيادة على القدر المستحق، ونحن لا تخالف في هذا، لكن إذا قد ثبت بالأدلة العقلية والسمعية أن الدوام مستحق فالعقلاء يحكمون بحسن استيفاء الحق، وحينئذٍ بطل قولكم، وظهر الفرق بين ما مثلتم به وبين داوم العقاب.
  الطريقة الثانية: أن الله تعالى غني عن هذا الدوام، فكيف يفعله.