مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1661 - الجزء 3

  واعلم أن الرازي بعد أن أورد الشُّبَهَ المتقدمة قال: إن من آمن من هؤلاء اعتذروا عما ورد في القرآن من أنواع العذاب من وجوه.

  قلت: ونحن نورد تلك الوجوه، ونجيب عنها بعون الله تعالى:

  الوجه الأول: أن الدلائل العقلية تفيد اليقين، وقد تقدم تقريرها، وأما الدلائل اللفظية فلا تفيد إلا الظن؛ لأنها مبنية على نقل اللغات وقواعد النحو، والصرف، وناقلوها لم يعلم بلوغهم حد التواتر، ولأن ثبوت دلالة الألفاظ على القطع مبنية على عدم الاشتراك والتخصيص، وعدم المجاز، وعدم الإضمار وغير ذلك، وكل ذلك أمور ظنية مع ما عارضها من تلك الأدلة العقلية القطعية التي لا تعادلها تلك الظنيات.

  والجواب: أما ما ادعوه من الدلائل العقلية فقد تقدم ذكرها، وبيان أنها عن العقل بمراحل، وأما قولهم: إن الدلائل اللفظية لا تفيد إلا الظن فغير مسلم، بل بطلانه معلوم من حيث الإطلاق فإن كثيراً منها تدل على مدلولاتها دلالة قطعية لا شك فيها، ولا امتراء، وذلك معلوم ضرورة، وأما قولهم: إنها مبنية على نقل اللغات ... إلخ.

  فنقول: لا شك أن كثيراً من لغات العرب منقولة بالتواتر نقلها الخلف عن السلف حتى العوام، وتلقفوها عنهم ولم يغيروها عن وضعها العربي، إلا فيما يرجع إلى البناء والإعراب في بعضها، لكنه على وجه لا يتغير به المعنى، ولا يتوقف فهم الدلالة عليه وهذا معلوم.