تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  فإن قلت: فلم لا تُجْرى عليه أحكام الكفار؟
  قلت: لأن إجراء أحكام الكفار فرع على ثبوت الكفر، والكفر لا يثبت إلا بقاطع، وهذه الأحاديث وإن فرضنا إفادتها القطع بنفاق من ارتكب هذه المعاصي، فنحن لا نقطع بحصول تلك الخصال أجمع في فرد، ولا ببغض الوصي كذلك؛ لأن المتلبسين بهذه الرذائل لا يجاهرون بها، ولا يقرون بارتكابهم لها، وإنما يستدل على حصولها فيهم بما يظهر من فلتات كلامهم، وبعض معاملاتهم، ثم إن إظهارهم للشهادتين قد عصمت دماءهم، وأموالهم، ويدل على ذلك معاملة النبي ÷، وأمير المؤمنين لمن عرف نفاقه معاملة المسلمين، وقد ذكر في البحر أن إسلام المشرك والمكذب بالرسول ÷ بالنطق بالشهادتين، والمنافق قد نطق بهما، فيجب أن يعامل معاملة المسلم، وذكر بعضهم لإمساك النبي ÷ عن قتل من عرف نفاقه وجوهاً غير ما ذكرنا، وسنأتي بها في موضع آخر يليق بها إن شاء الله تعالى، والذي ينبغي التعويل عليه أنه مهما لم يخرج عن اسم النفاق فلا تجري عليه أحكام الكفار؛ إذ لا يجري الحكم على الكافر إلا مع المجاهرة بالكفر، وإذا جاهر به خرج عن اسم النفاق، كما قال الهادي # في المنافقين: إنهم لو أظهروا ما في قلوبهم من الكفر والنفاق لكانوا مجاهرين بالكفر، وزال عنهم اسم النفاق، ولزمهم اسم الكفر والشرك. إذا عرفت هذا، فنقول: إن هذه العلامات لا يخرج بها عن كونه منافقاً، وهذه الأحاديث تقضي بذلك، وإذا لم يخرج بها عن هذا الاسم وجب أن لا تجري عليه أحكام الكفر