تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  فإن قلت: فما تقول في قول حذيفة: المنافقون الذين فيهم اليوم ... إلخ، وفيه: لأن أولئك أسروا نفاقهم، وإن هؤلاء أظهروه، فأثبت النفاق بالمعاصي الظاهرة؟
  قلت: إنما أراد بإظهار النفاق: إظهار علاماته، وما يقتضيه نفاقهم من الكيد للإسلام بوضع الأحاديث المكذوبة، والعداوة لأهل الفضل والسبق من الأمة، والتقرب إلى أئمة الجور، ونحو ذلك، ولم يرد أنهم أظهروا التكذيب بالإسلام والاستخفاف به؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما تمكنوا من مكيدة الإسلام بحال، وقد دل على هذا حديث: «إني لا أتخوف على أمتي ...» الخبر، وقول أمير المؤمنين #: (إنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام) إلى قوله: (ثم بقوا بعده، فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار ...) إلى آخره. رواه في النهج.
  وفيه: (ولو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله). فهذا نص في أن إظهارهم للنفاق هو ما ذكرنا؛ إذ لو أظهروا ما أبطنوا من الكفر لما قال أمير المؤمنين #: (ولو علم الناس أنه منافق ...) إلخ.
  وأما قوله: لأن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، فذلك معلوم فإنهم لم يتمكنوا في زمان الرسول ÷ من إظهار العداوة والكيد، خوفاً من نزول الوحي بما يوجب استئصالهم وفضيحتهم مع قوة الإسلام وأهله، ولذا كانوا إذا رأوا بالمسلمين وهناً أو نالهم شيء من الضعف