المسألة الثانية [في التكليف]
الشبهة الثالثة:
  أن الإنسان هو القوة العاقلة، ولو كانت جسماً أو جسمانياً لزم ضعفها لضعف جسمه وقواه، والمعلوم أن عاقلية الإنسان بعد كمال أربعين سنة أكمل منها قبل ذلك، مع أن الجسم قد صار أضعف مما كان، فثبت أنه ليس بجسم ولا جسماني.
  والجواب: أنا لا نسلم أن الإنسان هو القوة العاقلة، وإنما هو محل العقل، ولا نسلم لزوم ضعف العقل لضعف الجسم؛ لأن قوته وضعفه واقفان على اختيار الباري تعالى؛ ثم إنا قد وجدنا بالعادة ضعف العقل عند التناهي في الشيخوخة، وليس إلا لضعف البنية التي هي محل العلوم، وقد صرح بذلك في القرآن، فقال: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}[الحج: ٥] فبطل ما زعمتموه.
الشبهة الرابعة:
  قالوا: إن أحدنا قد يتخيل ويتصور جبلاً من ذهب مثلاً، ويميزه عن غيره، والعدم الصرف لا يصح تمييزه ولا تعقله، فيجب أن تكون هذه الصورة موجودة في المتخيل لها، وذلك يوجب امتناع كون المتخيل هو هذا الشخص المشاهد؛ لاستحالة حلول الجسم العظيم في الجسم الصغير ضرورة، وكذلك يجب امتناع كون المتخيل جسمانياً؛ لأنه يكون محل تلك الصورة محله وهو جسم صغير، فيعود الإلزام، فلم يبق إلا أن الإنسان ليس جسماً، ولا جسمانياً.