المسألة الثانية [في التكليف]
  والجواب: أن هذه الشبهة مبنية على قاعدتين باطلتين:
  إحداهما: أن كل ما يتصور الإنسان فإنه يجب أن يكون موجوداً، وهذه القاعدة باطلة عندنا، وأما كون العدم الصرف لا يتميز فمسلم، لكنا نقول: إن هذا المتخيل منصرف إلى أمر موجود وهو الذهب مثلاً، ولا شك في تمييزه، والتخيل إنما هو تقدير اجتماع هذه الأجزاء على هيئة الجبل، والجبل أيضاً موجود متميز، بحيث أنا نعلم أنه لو لم يتقدم للمتخيل علم بالذهب والجبل لم يمكنه تخيل جبل من ذهب، والحاصل أن التخيل تقدير تركيب صورة من أجزاء متميزة معلومة ليس نفياً صرفاً، وتقدير ذلك لا يوجب حصولها بأنفسها في نفس المتخيل، وهذا واضح.
  القاعدة الثانية: أن تصور الإنسان للشيء هو حصول تلك الصورة فيه، وهي قاعدة باطلة، وإنما تصوره هو معرفة صورته، وذلك بعلم يوجده الفاعل المختار في قلب المتصور، كما تقدم التنبيه على هذا في جواب الشبهة الثانية. فهذه الشبه هي أقوى ما يتمسكون به في أن الإنسان ليس بجسم ولا جسماني.
  وأما الشبه التي يتمسكون بها في أن الإنسان ليس بجسم خاصة، فمنها:
  أنه مشارك للأجسام في الجسمية، ومخالف لها في الإنسانية، فلا بد أن يكون ما شاركها فيه مغايراً لما خالفها فيه، وذلك يقتضي أنه غير الجسم.