تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  الثامن: أن صحة الإدراك وصحة الفعل حكمان للحي القادر الذي هو الإنسان، وهذان الحكمان يستندان إلى هذه الجملة، فصح أنها الإنسان؛ وأيضاً لو كان الإنسان غيرها لما صح الإدراك بما فيها من الأعضاء والحواس؛ لأنها أغيار له، ولا يجوز فيما هو غير للمدرك - بكسر الراء - أن يدرك به، كما لا يجوز أن يدرك زيد بحواس عمرو، وكذلك لا يجوز في الآلام، والحرارة، والبرودة أن تدرك إلا بمحل الحياة، ومحلها هو الإنسان، وإذا ثبت أن المدرِك هو هذه الجملة، وأن من أدرك فهو الحي وجب أن يرجع بالحي إلى ما ذكرناه. وقال في المنهاج: لو كان الإنسان الحي غيرها - يعني هذه الجملة - لما صح الإدراك بهذه الأعضاء على هذا الحد، بل كنا نجده متناقضاً؛ لأن المدرِك(١) في الحقيقة مستور بهذه الأعضاء.
  التاسع: أنه لو كان مغايراً لهذه الجملة وكان هو المصرف لها لكان قادراً بقدرة؛ لأنه محدث فإذا أراد فعلاً فلا بد من اعتماد منه في هذه الأعضاء، ولو كان(٢) لوجدناه.
  وأما الأدلة السمعية فكثيرة كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ ...} الآية [يس: ٧٧]، وقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ٤}[التين] وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢ ...} الآية [المؤمنون: ١٢]، وقوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ٧}[الطارق] ولا شك أن المتردد بين هذه الأوصاف هو هذا الجسد، وهو أيضاً معلوم من إجماع المسلمين.
(١) الذي هو الإنسان بزعم الخصم. تمت مؤلف.
(٢) أي الاعتماد. تمت مؤلف.