مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}

صفحة 1713 - الجزء 3

  والجواب: أنا لا نسلم اختلاف النفس⁣(⁣١) والأجزاء في الغفلة عنهما، بل ما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر مثله؛ لأنه هو، سلمنا فليس لأن الإنسان غير الجسم، بل لأن الذات هي الجملة، وأبعاض الجسم هي أجزاؤها، ولا يلزم من جواز الغفلة عن بعض الشيء جواز الغفلة عن جملته، فإن الإنسان قد يعلم الصبرة ولا يعلم أجزاءها؛ وهذه الشبهة قد تمسك بها الفلاسفة أيضاً، واحتجوا على تعذر الغفلة عن الذات بأنه لا يصيب الإنسان ألم إلا ويتألم، وإنما يتألم لعلمه بحصول الألم فيه.

  قالوا: وذلك يوجب أن يكون مسبوقاً بعلمه بنفسه، فصح أنه لا يكون غافلاً عن نفسه مع أنا نعلم أنه قد يغفل عن بعض أعضائه ... إلى آخر ما مر.

  وأجيب بأن الأعضاء كالذات، إذا حصل في بعضها ألم فلا بد من إدراكها له؛ وحينئذ ثبت ما قلناه من عدم اختلاف الذات والأعضاء في الغفلة عنهما.

  قالوا: لو كان الإنسان هو هذه الأجزاء لزم إذا أوجبت الحياة للجسم المهزول كونه حياً، ثم سمن أن يكون إيجابها بعد سمنه مخالفاً لإيجابها وقت هزاله، وهل هذا إلا كما يقال في العلم: أنه يتعلق مرة بشيء، ثم يتعلق بغيره.

  والجواب: أما على قول من لا يثبت تأثير المعاني من أئمتنا والمعتزلة فلا وجه لهذه الشبهة؛ لأن الحيية، والعالمية، والقادرية صفات


(١) أي الذات. تمت مؤلف.