تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  احتج ابن الإخشيد، والإمام يحيى، ومن وافقهما بحجج سمعية، قال الإمام المهدي #: ولا أعلم لهم شبهة عقلية.
  قلت: بل قد احتج لهم الرازي بالوجهين الأولين من شبه سائر المخالفين، ذكرهما في سورة آل عمران وغيرها، وقال: إنه قد ثبت بهما أن الإنسان شيء مغاير لهذا البدن، ثم قال: فيحتمل أن يكون جسماً مخصوصاً سارياً في هذا البدن سريان النار في الفحم، والدهن في السمسم، وأن يكون جوهراً قائماً بنفسه، ليس بجسم، ولا حال في الجسم.
  هذا وأما الشبه السمعية فقالوا: قد ورد في الكتاب والسنة ما يقضي بأن هاهنا أمراً زائداً على هذا البدن المشاهد، وذلك الأمر من جنس الأجسام، فيكون دليلاً على أن الإنسان جسمٌ لطيف منساب في الجسد، وذلك كقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}[الأنعام: ٩٣] فدل على أن ثم شيئاً خارجاً من الجسد عند الموت، والخروج من صفات الأجسام. وقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الآية [الزمر: ٤٢]، وفيه تصريح بقبض الأنفس وإرسالها، والقبض والإرسال إنما هما للأجسام، وقوله تعالى في الشهداء: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...} الآية [آل عمران: ١٦٩] فإنه يدل على أن الإنسان غير الهيكل المقتول، فإنا نعلم ضرورة كون تلك الأجسام أمواتاً لاحياة فيها، وقد وصفهم الله بأنهم أحياء مرزوقين، فتعين أن يكون الإنسان المثاب ليس هذا الهيكل المعلوم ضرورة كونه مواتاً؛ لأن الله قد أخبرنا أنه حي.
  قيل: وهذه الآية أقوى حجة على ذلك.