المسألة الثالثة [بطلان قول من زعم أن جميع المكلفين عارفون بالله]
  ونبهنا على جملة الأدلة السمعية، وقد طول الناس فيها وأكثروا، وفي كتاب الله آيات يقتضي الكلام عندها على هذه المسألة، وقد تكلم فيها الرازي في مواضع من تفسيره، ولابد من زيادة على ماهنا في المواضع المقتضية لذلك من كتابنا هذا؛ لأن في معرفة ذلك دفعاً لتأويل كتاب الله على غير ما تقتضيه أدلة العقل والسمع، ولذا قالوا: إن العلم بهذه المسألة من فروض الكفايات؛ لمعرفة مراد الله بخطابه بالإنسان والنفس، ورد ما يورده الفلاسفة من الشبه في ذلك، وبيان المستحق للثواب والعقاب، والإعادة، وغير ذلك مما يترتب على معرفة هذه المسألة. والله الموفق.
المسألة الثالثة [بطلان قول من زعم أن جميع المكلفين عارفون بالله]
  هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن كل المكلفين عارفون بالله، ومن لم يكن به عارفاً لا يكون مكلفاً، ووجه دلالتها أنه تعالى قد ذم فيها من لم يكن مؤمناً، وقد ثبت أن المعرفة من أركان الإيمان كما مر - ذكر معنى هذا الرازي - وهذا - أعني القول بأن من لم يعرف الله يكون معذوراً - لم ينسب إلى أحد من أهل الكلام فيما أعلم غير أبي بكر الملقب ببوقا(١) رواه عنه ابن متويه؛ إلا أن أصحابنا يوردونه إلزاماً لأصحاب المعارف الذين يقولون: إن معرفة الله ضرورية، فقالوا: مما يدل على أن العلم بالله لا يجوز أن يكون ضروريا هو أنه لو كان ضرورياً لوجب في العادم له أن يكون معذوراً؛
(١) يوُقا بموحدة مضمومة بعدها واو ساكنة ثم قاف مفتوحة. تمت مؤلف.