تفسير قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9}
  الحقيقي في شيء من الدين أصلاً. وقال: محال أن يأمر بالكذب من يقول: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار». وقال ابن العربي: الخداع في الحرب يقع بالتعريض، وبالكمين ونحو ذلك.
  قلت: ويؤيده رواية أبي داود: كان رسول الله ÷ إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها ويقول «الحرب خدعة» فإنه قد أطلق الخداع على التورية. وأما حديث ابن الأشرف، فليس فيه تصريح بالكذب، وإنما هو معاريض وتورية.
  إذا عرفت هذا وضممته إلى ما تقدم من كون الوصف بالخداع والمكر، وكذلك الكذب لا يوصف بها الأخيار تعين أن يكون ذلك من باب المجاز، شبَّة التلطف في التوصل إلى مراد الله تعالى من قتال المفسدين، وإيقاع النكاية بهم، بفعل المخادع الذي يتوصل بخداعه إلى أغراضه، وشبَّه التعريض من حيث أن صورته صورة الكذب، بالكذب الذي قد يكون سبباً لنيل الغرض، وقد عقد أهل المعاني باباً يسمونه باب الخداع والاستدراج، ومثلوه بما فيه تلطف، واستمالة للقلوب، وجعلوا ذلك من جملة المحسنات عندهم، ولم يدخلوا فيه شيئاً من صور الخداع الحقيقي الذي هو قبيح عند العقلاء، وأهل الشرع، ويؤيده رواية الواقدي عن علي #؛ إذ لا يجوز حمل الخداع منه # فيها إلا على ضرب من المجاز؛ لنفيه عن نفسه الخداع، وإخباره بقبحه في رواية الجامع الكافي.