تفسير قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9}
  أخرج عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها، ووعده أن يعاقبه إن طلقها، فصحح النكاح وأجازه، وهو لم يقصد به إلا الحيلة. وعن ابن عباس أنه قال: ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم. وقال الشعبي: لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز، وإنما الحيل شيء يتخلص به الرجل من الحرام، ويخرج به إلى الحلال. وهكذا كلمات كثير من السلف. وتصرفاتهم تدل على ما ذهبنا إليه.
  وأما أئمة المذاهب وأتباعهم من الزيدية، والشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنبلية، فقولهم بالحيل في كثير من المسائل ونفوذها مما لا ينكره إلا مكابر، ومن أراد معرفة ذلك فعليه بكتب الفقه. فهذه زبد من حجج المانعين والمجوزين. وأما المفصلون كالإمام المهدي، والإمام شرف الدين، والمقبلي، ومن تبعهم فقالوا: أدلة الأولين تقتضي المنع، وأدلة الآخرين تقتضي الجواز والنفوذ، ومعاذ الله أن يكون في شريعة الله تناقض أو اختلاف، بل هي شريعة مبنية على أحسن نظام وائتلاف، مؤسسة على العدل والحكمة والمصلحة والإنصاف؛ ولما كانت أدلة الطرفين صحيحة صريحة في الإثبات والنفي، كان الواجب استعمال أدلة كل من الفريقين في الموضع الذي يليق استعماله فيه، فمنعوا الحيل في مواضع، واستعملوها في أخر، وأتوا لها بضوابط يعرف بها الجائز من المحرم؛ ولكنه يقال: حصر مسائل التحريم والجواز حتى يمكن جمعها تحت ضابط كلي متعسر، لاسيما والشرائع مصالح تختلف