مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون 15}

صفحة 1819 - الجزء 3

  قال #: فعلى هذا المعنى الاستهزاء من الله سبحانه في جميع ما ذكره في كتابه. قال: وكذلك المخادعة، والمكر، والكيد، وكل ما أشبه ذلك في كتاب الله، ويحقق ذلك قوله سبحانه: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ١٨٣}⁣[الأعراف] أي أن أخذي إياهم بالعذاب على ذنوبهم شديد أليم.

  قلت: وهذا التأويل قد ذكره الرازي، وأبو السعود، وأبو حيان، والنيسابوري، وهم من علماء الخصوم وفحولهم، إلا أن الرازي ضعفه بأن الله تعالى لما أظهر لهم أحكام الدنيا، فقد أظهر لهم الأدلة الواضحة بما يعاملون به في الآخرة من العقاب، فليس في ذلك مخالفة لما أظهره في الدنيا.

  الثاني: أن من آثار الاستهزاء حصول الهوان والحقارة، فذلك الاستهزاء، والمراد حصول الهوانة لهم تعبيراً بالسبب عن المسبب.

  الثالث: أن المراد أنه يعاقبهم وينتقم منهم، ويجازيهم على استهزائهم، فسمى العقوبة باسم الذنب على جهة المشاكلة. قال القرطبي: هذا قول الجمهور من العلماء، والعرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم.

  من ذلك: قول عمرو بن كلثوم:

  ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

  فسمى انتصاره جهلاً، والجهل لا يفتخر به ذو عقل، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما،