مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون 15}

صفحة 1820 - الجزء 3

  وكانت العرب إذا وضعوا لفظاً بإزاء لفظ جواباً له وجزاءً، ذكروه بمثل لفظه، وإن كان مخالفاً له في معناه. قال: وعلى ذلك جاء القرآن والسنة. ثم استشهد بآيات منها: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}⁣[الشوري: ٤٠] والجزاء لا يكون سيئة، ومن السنة بقوله ÷: «إن الله لا يمل حتى تملوا، ولا يسأم حتى تسأموا».

  قلت: والنكتة في المشاكلة أن يعلم أن ذلك جزاء لاستهزائهم.

  الرابع: أن الله تعالى يعاملهم معاملة المستهزئ في الدنيا بإظهارهم أسرارهم على النبي ÷، وفي الآخرة يفعل ما يريد في غيظهم، على ما روي عن ابن عباس: إذا دخل المؤمنون الجنة والكافرون النار فتح الله من الجنة باباً على الجحيم في الموضع الذي هو مسكن المنافقين، فإذا رأى المنافقون الباب مفتوحاً أخذوا يخرجون من الجحيم، ويتوجهون إلى الجنة، وأهل الجنة ينظرون إليهم، فإذا وصلوا إلى باب الجنة، فهناك يغلق دونهم الباب، فذلك قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ٣٤ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ٣٥}⁣[المطففين] فذلك هو الاستهزاء. رواه النيسابوري، والرازي، وهو في الدر المنثور منسوباً إلى البيهقي في الأسماء والصفات.

  الخامس: أن المراد أنه يُجَهَّلُهُمْ - ذكره زيد بن علي # - ومعناه: أنه يحكم عليهم بالجهل. وقد روي في تأويل الاستهزاء المذكور تأويلات غير ما ذكرنا، كلها راجعة إلى معنى المجاز، وقد ذكرها أبو حيان وغيره، وهي أنه عبارة عن جمود النار كما تجمد الأدهان،