المسألة الأولى [في ماهية الشراء المذكور في الآية]
  الكفر والنفاق. وإما أنهم لما كانوا ذوي عقول متمكنين من النظر الصحيح. فاستبدلوا بهذا الاستعداد. والتمكن اتباع الهوى، وتقليد الآباء كانوا قد جعلوا اتباع الهوى بدلاً عن النظر الصحيح. وعلى كل واحد من هذه الوجوه فقد تحققت المعاوضة، وحصل البيع والشراء حقيقة، وكان من بيع المعاطاة التي لا تفتقر إلى اللفظ. وإن كانت في أهل الكتاب، فالمراد بالهدى ما كانوا عليه من معرفة صحة نبوة النبي ÷، وحقيقة دينه، بما علموه من التوراة، وقد كانوا على يقين منه، حتى كانوا يتهددون الكفار بخروجه، وكانوا مؤمنين به {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}[البقرة: ٨٩] واستبدلوا بذلك الإيمان الكفر، فتحققت المعاوضة. وإن كانت في سائر الكفار. فقد حصل له ما يفيد القطع بالنبوة، وحقيقة الدين، حساً ونظراً لو أنصفوا وسمعاً، فاستبدلوا بها الجري على سنن الآباء. لا يقال: هذه الوجوه لا يمكن إجراؤها على الحقيقة؛ لأنها على تقدير يؤول إلى المجاز؛ إذ الاشتراء الحقيقي هو استبدال السلعة بالثمن. لأنا نقول: إطلاقات أهل اللغة تفيد أنه مجرد الاعتياض والاستبدال، كما مر، وقال الراغب: يجوز الشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء، نحو: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}[آل عمران: ٧٧] وجعل منه يشترون الضلالة.
  القول الثاني: أن هذا الشراء مجاز؛ لأن الشراء الحقيقي ما فيه معاوضة، بأن تستبدل شيئاً في يدك بشيء في يد غيرك، ولما كانت المعاوضة هنا مفقودة حكموا بأن ذلك مجاز، فقالوا: استعار لفظ الاشتراء للاختيار؛ لأن المشتري للشيء مختار له، فكأنه قال: اختاروا