تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  في حالة واحدة ضرورة، فإذا كان إيجاده فإما أن يؤثر في إيجاده قادريتاهما معاً، وهو باطل؛ لأنهما إن أثرا في وجود واحد لزم أن يكون وجود الذات الواحدة متبعضاً. فيكون لها نصف وجود. وثلث وجود، وذلك باطل - اتفاقاً بيننا وبين الخصم - بالضرورة، سواء قلنا: الوجود زائد على الذات، أم هو نفس الموجود؛ ثم إنا لو سلمنا تبعضه فقد حصل غرضنا، وهو أنه لا مقدور بين قادرين؛ إذ البعضان متغايران. وإن أثرتا في وجودين لزم أن يتعدد الوجود للذات الواحدة، والخصم يمنع ذلك؛ لأنه جعل الوجود ما هية الموجود، ومن المحال أن تكون للماهية الواحدة ماهيات متعددة؛ ثم إنا لو سلمنا تأثيرهما في وجودين فقط حصل المطلوب. وإما أن لا يؤثرا في إيجاده فهو باطل؛ لأنه يؤدي إلى خروجه عن كونه مقدوراً لهما، وهو خلاف الفرض. وإما أن تؤثر فيه إحداهما فقط. فباطل أيضاً؛ لتأديته إلى كون الذي لم تؤثر فيه قادريته غير قادر. وإذا بطلت هذه الأقسام لزم بطلان صحة مقدور بين قادرين؛ لأنه إذا علم ضرورة أنه إذا صح استحال خلوه من تلك الأقسام، وقد علم ضرورة استحالة ثبوتها له ثبت بالضرورة لزوم بطلان ذلك المقدر صحته، وهو مقدور بين قادرين؛ لأن ما أدى إلى باطل فهو باطل.
  الحجة الثالثة: أنه لو جاز لجاز معلول لعلتين أو أكثر، وذلك يفتح باب جهالات كثيرة. والجامع بين المقدور والمعلول حاجة كل واحد منهما إلى المؤثر؛ لأن الحكم وهو استحالة تعلق المعلول بغير ما أوجبه ثبت بثبوت تأثير علته فيه، وانتفى بانتفائه، ولا طريق إلى العلة سوى ذلك، فقطعنا أنه لا علة له غير التي أوجبته.