تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  قيل: ندفعه بما مر من إبطال كون وقوعه على جهة الإيجاب، فارجع إلى فاتحة الكتاب ترى ما يزيل الشك والارتياب.
  فإن قيل: فلم احتجتم إلى الاستدلال بالوقوع على الصحة، ولم تستدلوا بالصحة من أول الأمر؟
  قيل: لأنا لم نجد طريقاً إلى صحة الفعل من الله إلا الوقوع. وأما أن صحة الفعل لا تكون إلا من قادر، فقال الإمام القاسم بن محمد ومن تبعه: إن العلم بذلك ضروري؛ ألا ترى أن الإنسان لما لم يقدر على الطيران لم يصح منه إيجاده، والمقعد لما لم يقدر على المشي لم يصح منه إيجاده، ونحو ذلك.
  قال القرشي: وهو معلوم على الجملة ضرورة، فإن العقلاء يصفون من أمكنه أن يفعل. وأن لا يفعل بحسب اختياره بأنه قادر، ويوجهون إليه المدح والذم. وقال غيرهم من أئمتنا وغيرهم: بل العلم بذلك استدلالي، واستدلوا عليه بالقياس بأن أقاسوا الغائب وهو القديم تعالى على الشاهد وهو الواحد منا، بعلة جامعة بينهما؛ وتحرير ذلك القياس أن يقال: إنا وجدنا في الشاهد حيين، أحدهما صح منه الفعل وهو الصحيح السليم، والآخر تعذر عليه ذلك الفعل وهو المريض المدنف، فالذي صح منه الفعل يفارق من تعذر عليه ذلك بمفارقة لولاها لما صدر منه ما تعذر على الآخر، وتلك المفارقة معللة، وهذا الحكم ثابت في القديم تعالى، فيجب أن يكون قادراً؛ لأن طرق الأدلة لا تختلف شاهداً وغائباً.