تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  فإن قيل: ما الدليل على ثبوت المفارقة بين من صح منه الفعل ومن تعذر عليه؟
  قيل: ذلك معلوم ضرورة.
  فإن قيل: صحة القياس مبنية على أن المفارقة معللة، فما الدليل على ذلك، فإنا نجد كثيراً من المفارقات لا تعلل؟
  قيل: الدليل على ذلك أنا نظرنا في الطرق المقتضية للتعليل. فوجدنا علماء الكلام قد اختلفوا. حتى صارت بحسب اختلافهم ثلاث طرق، ونظرنا في هذه المفارقة، فإذا هو يجب تعليلها على كل واحدة من هذه الطرق، ونحن نأتي بتلك الطرق، ثم نبين التعليل على كل واحدة منها، فنقول:
  الطريقة الأولى: ذكرها قاضي القضاة، وهي أن تعرض الحكم على وجوه التعليل، فإن قبل التعليل وجب تعليله، وإلا فلا؛ ووجوه التعليل المؤثرات، وهي الفاعل، والسبب، والعلة، وما يجري مجرى المؤثر وهو المقتضي، والشرط، والداعي.
  الطريقة الثانية: طريقة أبي رشيد، وهي أن كل حكم أو صفة إذا لم يعلل بطل، وعاد على أصل ثبوته بالنقض فإنه يجب تعليله، وكل حكم أو صفة إذا علل بطل فإنه لا يجوز تعليله، وكل حكم أو صفة لا يبطل سواء علل أم لا، فإنه لا يجب تعليله، وهل يجوز؟ أم لا؟
  قال المتأخرون: إن كان في تعليله فائدة زائدة، وإن لم تتعلق بتلك المسألة جاز لتلك الفائدة.