تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  من زيد لأمر يرجع إلى عمرو وتأثيره، والذي يدل على بطلان ذلك أن صحة الفعل حكم صدر عن الجملة، فالمؤثر فيه يجب أن يكون راجعاً إليها، والفاعل خارج عن تلك الجملة؛ لأن صحة الفعل لو صدرت من فاعل آخر لما وجب وقوع الأفعال بحسب قصد الصادرة عنه، ولأنه يؤدي إلى التسلسل؛ لأن ذلك الفاعل لا يصح منه الفعل الذي هو الصحة إلا بفاعل آخر كالأول، فإن قلتم: يصح منه الفعل لأجل صفة ترجع إليه وجب في الأول مثله، فلا يحتاج إلى هذا الفاعل؛ إذ لا فرق، ولأن من حق ما أثر الفاعل في ثبوته أن يؤثر في صحته، وصحة الفعل لا صحة لها(١) تؤثر في الفاعل. وباطل أن يكون بالعلة؛ لأنها إن كانت معدومة أو غير حالة فيه فلا اختصاص لها به، وإن حلته لم تؤثر؛ لأنها تختص بمحلها(٢)، والمعلوم أن الفعل صادر عن الجملة. فثبت أن المؤثر في صحة الفعل من القادر ليس أمراً خارجاً عن ذاته وصفاته؛ وإذا لم يكن خارجاً عن ذلك، فاعلم أنه لا يجوز أن يصح منه الفعل لمجرد الذات، وإلا لزم في كل ذات مثله، حتى الجمادات، ولا لوجود مزية زائدة على الذات؛ لأن تلك المزية إن كانت حكماً لم يصح؛ لأنه لا يعلم إلا بين غيرين، أو غيره وما يجري مجرى الغير، ونحن نعلم القادر قادراً، وإن لم نعلم غيراً ولا ما يجري مجراه، وإن كانت صفة راجعة إلى آحاد الجواهر(٣) لم يصح
(١) أي لا يقال: تصح الصحة. تمت مؤلف.
(٢) أي ومحلها الذي اختصت به بعض، دون بعض، فيلزم أن يكون الفعل صادراً عن محله، والمعلوم خلافه. تمت مؤلف.
(٣) أي إلى الأجزاء والأبعاض. تمت مؤلف.