تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  قيل: ثبت ذلك بالقياس القطعي؛ بيانه أنه قد تقرر بما ذكرنا أن الذي دل على كون الواحد منا قادراً أنه قد صح منه من الأفعال ما تعذر على غيره، وقد ثبت أن الله تعالى قد صح منه ما تعذر على غيره، فوجب أن يكون قادراً؛ وها هنا أصل وفرع، وعلة، وحكم، فالأصل الواحد منا، والفرع الباري تعالى، والعلة صحة الفعل، والحكم كونه قادراً، فإذا شارك الفرع الأصل في العلة وجب أن يشاركه في الحكم، وإلا لما صح أن تكون علةً. هكذا حرره جماعة من المتكلمين.
  قال في الغياصة: والأولى أن يقال: إذا شارك الباري تعالى الواحد منا في صحة الفعل وجب أن يشاركه في كونه قادراً؛ لأن الفعل مقتضى عن كونه قادراً، وكونه قادراً مقتضيه. لأن الاشتراك في المقتضَى - بصيغة اسم المفعول - يوجب الاشتراك في المقتضِي - بصيغة اسم الفاعل -؛ ثم نقول: هاهنا أصل، وفرع، ومقتضَى - بالفتح - ومقتضِي - بالكسر - فالأصل الواحد منا، والفرع الباري تعالى، والمقتضَى صحة الفعل، والمقتضِي لذلك كونه قادراً، فإذا شارك الفرع الأصل في المقتضَى - بالفتح - وهو صحة الفعل وجب أن يشاركه في المقتضِي لذلك، ولا يبطل كون صحة الفعل حكماً مقتضى عن كونه قادراً، والمقتضى لا يحصل إلا بعد حصول المتقضِي - بالكسر -؛ لأنه موجب له. وإنما اختار هذه الطريقة لأن المقتضِي بالكسر، موجب، بخلاف العلة، فإنها غير موجبة، وإنما هي معرَّفة موصلة؛ ولقائل أن يقول: إن العلة وإن لم تكن إلا معرفة وكاشفة فإن ذلك لا يضعف الاستدلال بها،