مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 1934 - الجزء 3

  وأن من كان مدركاً لزم كونه حياً، وما كان متحيزاً كان من جنس الجواهر.

  واعلم أن بعضهم قد جعل هذا القياس ظنياً، زاعماً أن علته غير قطعية، وقد عرفت بما قررنا أنها قطعية، سيما على طريقة الاقتضاء، فلا يهولنك ما يشنع به الخصوم. ويزخرفونه من الكلام. في رد نحو هذا القياس؛ وقد أوضحنا في المقدمة، وقررنا في الفاتحة صحة قياس الغائب على الشاهد. إذا كان تركيب القياس صحيحاً، فارجع إلى تلك القواعد تعرف صحة هذا القياس؛ على أن لنا أن نركب هذا الدليل على غير طريقة القياس، وذلك بأن نرده إلى كلية، وهي أن من صح منه الفعل فهو قادر.

  قال النجري: وعرفنا هذه الكلية بأن صحة الفعل لا بد لها من مقتضِي بالكسر، وذلك المقتضي هي الصفة التي عبرنا عنها بالقادرية؛ وإنما ذكرنا الشاهد على وجه التقريب والتمثيل، فإنها إذا ثبتت في الشاهد صفة زائدة على الذات بالدليل أمكن ثبوتها في الغائب صفة زائدة بمثل ذلك الدليل؛ وكان أصل الدليل أن يقال: قد صح منه الفعل، وكل من صح منه الفعل فهو قادر، أما المقدمة الأولى فمعلومة، وأما المقدمة الثانية وهي الكلية فلأن صحة الفعل لا تصح أن تكون ذاتية⁣(⁣١)؛ لأنها حكم، والأحكام لا تكون ذاتية، وإذا لم تكن ذاتية لم يكن لها بد من مؤثر، وليس هو مجرد الذات. وإلاَّ لزم في كل ذات أن يصح منها الفعل، فهو حينئذ صفة زائدة على الذات.


(١) أي منسوبة إلى الذات بأن يقال: صح منه الفعل لذاته. تمت مؤلف.