تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  والكفر غير مانع من واحد منهما؛ لأنه يمكن رفعه بالإسلام، وعدم إمكان الامتثال حال الكفر كعدم إمكان الامتثال في المحدث، فكما أن الحدث لا يمنع توجه الخطاب، كذلك الكفر كما مر قريباً.
  واعلم أنهم قد اختلفوا في فائدة الخلاف في المسألة، فقال بعضهم: هي قليلة الفائدة. وقيل: الفائدة على قولنا: إنهم مخاطبون بها كونهم معاقبين عليها فعلاً وتركاً، كما يعاقب المسلم، فأما في الدنيا فلا تظهر فائدة؛ إذ لا يصح منهم فعل الطاعات، ولا يجب عليهم قضاؤها، ومن قال: إنهم غير مخاطبين بها قال: لا يعاقبون عليها في الآخرة، وإنما يعاقبون على التكاليف العقلية. وقيل: بل للخلاف فوائد في أحكام الدنيا، منها: فيمن صلى أول الوقت، ثم ارتد، ثم أسلم في الوقت، وفي من حج أو عجل الزكاة، ثم ارتد، ثم أسلم، فمن قال: هم مخاطبون لا تجب عليه الإعادة؛ لأن الخطاب باق، ومن قال: إنهم غير مخاطبين قال: قد انقطع الخطاب بالردة، ثم عاد بعد الإسلام، فصار كأنه مكلف آخر، فتجب عليه الإعادة بوجوب غير الوجوب الأول.
  وتحقيق ذلك أن الحنفية قالوا: المكلف أول الوقت مخاطب بالأداء، فإذا فعل صار مخاطباً بالإجزاء؛ لأنه حكم شرعي، فإذا ارتد ارتفعت عنه خطابات الشرع، فارتفع الإجزاء، فإذا أسلم في الوقت صار كالكافر الأصلي إذا أسلم وفي الوقت بقية، فوجبت عليه الإعادة؛ وعندنا أن الخطاب بالإجزاء لم ينقطع، فلا تجب الإعادة.