مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2019 - الجزء 4

  من قضى دينه جزاءً من المقضي. وحكى في الغياصة عن أبي القاسم وأتباعه نحو ما هنا من عدم الوجوب، إلاَّ أنهم يقولون: يجب لنا على الله من جهة الأصلح بناء على أصلهم.

  قال: لأن الأصلح واجب على الله - يعني عندهم - وهو ما نفع الحي ولا مفسدة فيه. وأما الإمام القاسم بن محمد فكلامه محتمل لأن يكون خلافه لفظياً؛ لأن عنده أن الثواب لابُدَّ من وقوعه قطعاً، وإن كان تفضلًا؛ لأن الله قد وعد به، وهو لا يخلف الميعاد؛ ولأن الشرفي علل القطع بفعله بأنه تعالى قد أخبر به، وقضت به حكمة العدل وما قضت به حكمة العدل لا يجوز تخلفه، ولأن الإمام استدل على أنه لا يقال: إنه واجب بأنه يوهم التكليف، وظاهر هذا أنه إنما منع من إطلاق لفظ الوجوب فقط مع الموافقة في قبح الإخلال به، ويحتمل أن خلافه معنوي؛ لاستدلاله بأن الطاعات شكر، والأول أظهر؛ لأنه قد نص على أن الثواب مستحق عقلاً، وهذا يدل على قبح الإخلال به عنده. والله أعلم.

  احتج الأولون من جهة العقل بأن الله تعالى الزمنا الشاق وهو هذه التكاليف، فلو لم نستحق ثواباً عليها لكان إلزامه لنا إياها قبيحاً؛ لأن إلزام الشاق كإنزاله، فكما أن إنزاله بنا لا لنفع ولا استحقاق يقبح، كذلك إلزامه لا لنفع ولا استحقاق، مع كونه يمكنه أن يجعل فعل ما كلفنا به غير شاق، بأن يزيد في قوانا، ويصرف شهواتنا إلى الحسن ويجعل نفرتنا عن القبيح؛ فلما علمنا خلاف ذلك عرفنا أنه إنما كلفنا لتحصيل نفع لا يحسن منه الابتداء بمثله، وهو الثواب.