مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2020 - الجزء 4

  فإن قيل: لِمَ لا تقولون بأنه كلفنا لدفع مضرة؟

  قيل: لأنه يحسن منه دفع المضرة عنا من دون واسطة فعل منا، فلا يكون للتكليف حينئذ فائدة. فيكون عبثًا. وأما من جهة السمع فلأن الله تعالى قد سمى الثواب جزاء، حيث قال تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ}⁣[فاطر: ٣٠] وهذه العبارة تقتضي أنه كالدين؛ لأن الوفاء لا يعبر به إلا عن ما هو مستحق، ولا يسمى التفضل وفاء، ويقتضي أيضاً أنه شيء قد علم قدره كالأجرة المعلومة، ولوكان تفضلا لم يعبر عنه بالإيفاء، وأيضاً لا يسمى أجرا إلا ما كان مستحقاً.

  قال الموفق بالله: الأجر على الشيء لا يكون إلا استحقاقاً لا تفضلاً؛ ألا ترى أن من تفضل على فقير بدرهم لا يقال: إنه أجره، وإذا عمل له عملاً فأعطاه في مقابلة عمله، قيل: إنه آجره إذا استحق عليه لعمله. قال: وكذلك قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}⁣[السجدة] والجزاء لا يكون إلا في مقابلة مستحق يكون جزاء عليه، فما يكون تفضلاً يفعله ابتداءه لا في مقابلة استحقاق لم يكن جزاء.

  احتج أهل القول الثاني بوجوه:

  أحدها: أن في إطلاق الوجوب على الله إيهام التكليف. وهو ضعيف، وقد بينا ضعفه في الفاتحة.

  الثاني: أنه قد ثبت فيما مر أن الطاعات شرعت شكراً، وجارية مجرى الشكر على النعم السابقة، وإذا كانت كذلك كان الثواب الموعود به عليها تفضلاً محضاً، وإن كان في مقابلة الطاعة؛ إذ لا يجب