تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  وإذا ثبت أن العلة ذلك وجب في كل عبادة أن تكون مأموراً بها؛ لأن العلة إذا حصلت وجب حصول الحكم لا محالة.
  قلت: ولقائل أن يقول: لا نسلم أن وجه شرعية العبادة كونها عبادة، بل هو باطل من وجوه:
  أحدها: أنه لا دليل عليه.
  الثاني: أن الله تعالى إنما كلفنا ليعرضنا على الخير، ولو كان الأمر كما ذكره لم يكن التكليف إلا لكونه عبادة فقط، وذلك باطل؛ لأنه لو كان كذلك لكان ظلماً وعبثاً لأن التكليف شاق، والمعلوم أن الباري تعالى لا ينتفع بتكليفنا الشاق، وإذا كان المجرد كونه عبادة لزم أن لا نفع لنا فيه، فيكون ظلماً، وعبثاً لمشقته من دون فائدة، وكلاهما قبيح لا يجوز من الله تعالى فعله.
  الثالث: أنه قد ثبت بما أو ألطافاً على الخلاف بين العدلية، وفي ذلك إبطال كون الوجه كونها عبادة، اللهم إلا أن يقال لم يرد بكون العلة ما ذكره مجردة، بل مع كونها(١) مسببة عن النعم السابقة، فتكون شكراً، أو جارية مجرى الشكر، وقد أشار إلى هذا فيما حكيناه عنه قريبا، لكن أصولهم تأباه؛ لأن مسألة وجه شرعية التكاليف مؤسسة على مسألة الحسن والقبح العقلي، وهم ينفونها، وقد مر أن قوله إن النعم إذا كانت سبباً في وجوب العبادة لم يجب الثواب إنما هو على سبيل الإلزام. والله أعلم.
(١) أي العبادة، تمت مؤلف.