مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2033 - الجزء 4

  قال الإمام عز الدين: إنما لم يجعل اللطف العلم باستحقاق الثواب والعقاب كما ذكره السيد الإمام؛ لأنه قد اعترض بأن من أصولكم بأن اللطف إذا كان معلوماً فاللطف نفس المعلوم، وإن كان مظنوناً فاللطف نفس الظن؛ إذ المظنون قد يكون لا ثبوت له فكان الظن اللطف، فيلزم على هذا الأصل أن يكون اللطف نفس الثواب والعقاب لأنهما معلومان، ولا يصح أن يكون لطفاً لتأخرهما عن فعل المكلف به، ومن حق اللطف التقدم على الملطوف فيه، فحينئذٍ جعل اللطف ما ذكره، ولا يلزم عليه ما لزم على جعله العلم باستحقاق الثواب.

  قلت: إلا أنه لم يظهر لي الفرق بين قول السيد مانكديم، بأنه العلم باستحقاق الثواب والعقاب، وبين قول هؤلاء بأنه العلم بكون هذا الفعل مما يستحق عليه ذلك، فلا يرد هذا الاعتراض على السيد⁣(⁣١)، وإنما يرد على من قال بأن اللطف هو العلم بالثواب والعقاب، وإنما ورد عليهم لما مر من تأديته إلى كون اللطف متأخراً عن الملطوف فيه، وأما العلم بالاستحقاق فليس بمتأخر. فتأمل.

  وبما قررنا ثبت أن المعرفة إنما سميت لطفاً؛ لأن العلم بالاستحقاق لا يتم إلا بمعرفة المثيب والمعاقب، فسمي الجميع لطفاً، فإن قيل: إذا كان الوجه في تسمية المعرفة لطفا كون العلم بالاستحقاق لا يتم إلا بها، فما تقولون فيما لا يتوقف العلم باستحقاق الثواب والعقاب عليه


(١) لعل المراد السيد مانكديم والسياق يقتضيه.