مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2038 - الجزء 4

  وهو أن وجه وجوبها قبح تركها وهو الجهل، والظن ونحوهما مما يمنع من وجودها كالشك وغيره، وهذا القول رواه السيد مانكديم عن أبي علي، وروي في وجه وجوبها قول رابع، وهو أنه ورد بها الشرع، وهذا قول المجبرة، رواه عنهم الإمام عز الدين، وهو بناء على نفي الحكم العقلي، وقد مرَّ إبطاله، وأما أبو علي فقد أبطل قوله هذا السيد مانكديم بأنه لا يستقيم إلا لو لم يمكن الانفكاك عن القبيح إلا إلى المعرفة، فأما وهو يمكن الانفكاك عنه إلى غيرها بأن لا يفعلها، ولا يفعل ما يضادها وهو الجهل وغيره، فلا يستقيم كلامه، وهذا يشبه قولنا في الصلاة أنه لا يجوز أن يجعل وجه وجوبها قبح تركها من الزنا وغيره؛ لأن ذلك إنما يصح لو لم يمكن الاحتراز عن الزنا مثلاً إلا بالصلاة، فأما وهو يمكن الانفكاك عن الأمرين جميعاً فلا، وحاصله أنه لا يصح القول بأن وجه وجوب المعرفة ما ذكره أبو علي إلا إذا كانت المعرفة قد منعت من وقوع القبيح، ولا يكون ذلك إلا إذا لم ينفك عن المعرفة إلا إلى القبيح، والعكس، لكنه قد ينفك عن الأمرين جميعاً، فلا يصح جعل ما ذكره وجهاً في وجوبها.

  قال الإمام عز الدين: اعلم أنه إذا ثبت أن للمعرفة تروكاً كثيرة لم يتأت على أصل أبي هاشم أن يكون وجه وجوبها قبح تركها؛ لأن عنده أن الواجب إذا كان له تروك كثيرة لم يقبح شيء منها، وإنما يقبح إذا كان له ترك واحد لا يمكنه الانفكاك من الواجب إلا إليه.