تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  قيل: ومثاله أن يكون المكلف بين صفيحتين من حديد، بينهما من الفرق ما يتسع لجسمه فقط، وهو قائم مستند الظهر إلى صفحة أخرى، واللبث هنالك واجب عليه، فإنه لا يمكنه فعل شيء يشتغل به عن الواجب، ويكون تركاً له إلا المشي أمامه لا غير، فأما إذا أمكن الانفكاك من الواجب، ومنه لم يقبح، وهذه حال المعرفة، وهذه التروك فإنه يمكن الانفكاك منها، ومن كل واحد على انفراده، فلا يقبح على ما قاله أبو هاشم، ولكن مذهب الجمهور: أن كل ترك للواجب اشتغل به عنه فهو قبيح، وإن أمكن الانفكاك عنه، وعن الواجب بأن يكون للواجب تروك غيره.
  قال الإمام عز الدين: وقد روي الخلاف في المسألة على غير هذه الصورة، فقيل: إن كان الواجب المتروك لا يمكن فعله إلا بجارحة كالكلام، فإن تركه وهو السكوت يكون قبيحاً؛ لأنه فعل ما لا يتم الكلام معه وهو السكوت، وإن كان يمكن فعل الواجب بجوارح كرد الوديعة فإنه يمكن ردها بجوارح ومن جهات، والفعل الذي يشتغل به عنها كذلك، فهاهنا وقع الخلاف، فقال أبو هاشم، وأبو عبد الله: لا يكون شيء مما يشتغل به عن الرد قبيحاً، وقال أبو إسحاق، وقاضي القضاة: تقبح هذه التروك جميعها، وتكون بمنزلة الترك الواحد، هذا مع إجماعهم على استحقاق تارك الواجب للذم والعقاب على إخلاله به سواء كان له ترك أو تركان أو تروك، وإنما الخلاف في الفعل الذي يشتغل به عن أداء الواجب هل يستحق عليه عقاباً أم لا.