تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  إذ ليست ضرورية اتفاقا، فما أجابوا به فيها فهو جوابنا هاهنا.
  الثانية: أن امتناع اختيار الجهل؛ لأن العلم حصل بسبب موجب وهو النظر، والجهل يقع مبتدأ(١) لاختيار الفاعل، وما كان حاصلاً عن سبب فهو أولى بالوجود؛ إذ حصول سببه يصيرهُ كالحاصل، وهذا مما لا شبهة فيه.
  الثالثة: أن العلم ترتاح إليه النفس، ويميل إلى فعله الطبع، فكان وجوده أولى.
  نعم: أما في الحالة الثالثة من النظر وما بعدها، فيصح من أحدنا اختيار الجهل بدلا عن العلم؛ لأن العلم ليس بواجب الوجود حينئذٍ، وإنما يجدده الفاعل باختياره عند تذكره النظر المتقدم. وفي المعراج: وقد ذهب أبو هاشم إلى أنه لا يصح اختيار الجهل مع حصول العلم من دون عارض، وقال أبو علي: يصح، ولا مانع من ذلك، وهذا الخلاف فيما إذا كان العلم مكتسباً، فأما إذا كان ضرورياً فالاتفاق على أنه لا يصح اختيار الجهل بمعلومه، واحتج ابن متويه لصحة ما قاله أبو هاشم بأن العالم من حقه أن يستمر على العلم إلا عند حدوث عارض، لاسيما والعلم مما يستروح إليه ويعد معدَّ المنافع، والعارض الذي يعرض من دون العلم ليس إلا ورود شبهة يختار المرء عندها الجهل.
  قال الإمام عز الدين: وهذا الاحتجاج وإن صح فأكثر ما فيه
(١) أي لا عن سبب تمت مؤلف.