تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  يفزعون عند التباس الأمور إلى النظر، ويستحسنونه، بل يوجبونه في بعض الأحوال، وليس ذلك إلا لعلمهم بحسنه، وأنه يدلهم على الصواب.
  قال السيد ما نكديم: ولا يجب على المكلف أن يعلم أن نظره يؤديه إلى العلم، كما لا يجب أن يعلم فيما يتصرف فيه من أحوال معائشه أنه يؤدي إلى المطلوب، بل يكفي أن يعلم على الجملة أن نظره حسن أو واجب، وأنه لو كان يؤدي إلى الجهل لم يحسن ولم يجب، قال: فعلى هذا الوجه يجوز أن يدخل تحت تكليفه، ولا يجب أن يعرف التفصيل الذي قالوه.
  واعلم: أن هذا مبني على أن النظر قد يولد الجهل، وسيأتي أنه لا يولد غير العلم، وعلى هذا فلا معنى لما ذكروه.
  الوجه الثالث: قالوا: لو كان مكلفاً بالمعرفة لوجب أن يعرف صفتها من كونها مقدورة، وكونها اعتقاداً صحيحاً(١) يقتضي إثبات الباري لوجوب كون المكلف عارفاً بصفة ما كلفه، وإلا كان من التكليف بما لا يعلم، والمعلوم أنه حال النظر غير عارف، ولو حصلت المعرفة(٢) لم تكن مقتضية لسكون النفس؛ لأنها لا تكون إلا ظناً واتفاقاً.
  فإن قلتم: هو يعلمها.
  قلنا: لو علمها لم يكلف طلبها؛ لأنها هي المطلوب وقد حصلت،
(١) وهو ما يقتضي سكون النفس تمت مؤلف.
(٢) أي لو فرض أن المعرفة حاصلة حال النظر تمت مؤلف.