تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  ليمكنه الاحتراز عنه، وإذا عرفه عرف المجهول؛ لأنه إذا عرف أن اعتقاد أن لا صانع للعالم جهل فمعرفته لذلك لا تكون إلا مع معرفة الصانع، وإذا كان قد عرفه فلا يكلف بمعرفته.
  والجواب: أنا لا نسلم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، سلمنا فليس منهياً عن جهل معين، وإنما هو منهي عن كل اعتقاد لا يأمن كونه جهلاً، وذلك لا يستلزم معرفة المجهول على التعيين. فهذه جملة الوجوه التي ذكرها أهل المعارف، وهي كما ترى ما عدا الوجه الأول مبنية على عدم صحة التكليف بالمعرفة، وإذا لم يصح التكليف بها وقد حصلت تعين أن تكون ضرورية، وقد عرفت الجواب عن ذلك. ولهم من الأدلة السمعية نحو قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[ابراهيم: ١٠] ويمكن أن يجاب بأنه لقوة دلائل ثبوته جلَّ وعلا ينزل منزلة الضروريات التي لا سبيل للشك إليها، كما في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة: ٢] ويؤيد هذا أنه عقب نفي الشك بقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الانعام: ١٤] وهما من أقوى الأدلة على ثبوته تعالى فكأنه قال: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}[ابراهيم: ١٠] مع هذا الدليل الواضح والبرهان القاطع. والله أعلم.
  ويشهد لهذا التأويل ماروي في بعض الآثار من قوله: (وعجبت ممن يشك في الله وهو يرى أثر خلقه) أو كما قال، وقد مر نحوه مرفوعاً. وأما ما ذهب إليه المؤيد بالله ومن وافقه، فقد احتج له الإمام يحيى بأن الخوف من الله إنما هو على قدر المعرفة، ونحن نعلم تباين الخلق في الخوف، فخوف الأنبياء ليس كخوف الملائكة،