تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  وبعضهم في النظرية فكلفهم بها، وقد ذكر الإمام يحيى معنى هذا وجعله دليلاً على صحة ما اختاره(١)، وكذلك ذكره في مراتب التوحيد فإنه ذكر أن مراتب التوحيد الحصول على معرفته تعالى وصفته بالعلم الضروري الذي لا يعترضه شك، ولا شبهة، ولا يعتريه ريب، قال: وهذه هي درجة المقربين، وقد منع منه طوائف من المتكلمين، ولا دليل على المنع.
  فإن قيل: المعرفة الضرورية إذا كانت لطفاً لبعض المكلفين لزم أن تكون لطفاً لسائرهم؛ لأن الضروري أبلغ، والواجب في اللطف أن يكون على أبلغ الوجوه.
  قيل: لا نسلم أنه يجب في اللطف أن يكون على أبلغ الوجوه، سلمنا، فالمراد به أنه يجب أن يكون على أبلغ الوجوه في حق من علم الله أن ذلك لطف(٢) له، وليس المراد أنه يجب أن يفعل لكل مكلف أبلغ الألطاف؛ لأن بعضها لا تكون لطفاً لبعض المكلفين لاختلافها باختلافهم.
  الوجه الثاني: مما أبطل به الجمهور قول هؤلاء ما تقدم من أنها لو كانت ضرورية لكانت بديهية يشترك فيها العقلاء.
  الثالث: أن تجويز ذلك في حق الأنبياء، والأولياء يقتضي أنهم قد عرفوا الله قبل بالاكتساب وإلا لما صاروا صالحين؛ لأنهم لا يكونون
(١) بما وافق فيه المؤيد بالله تمت مؤلف.
(٢) فمن علم الله لطفه في الغنى وجب أن يكون على أبلغ وجه يقرب من المقصود، ومن علم لطفه في الفقر فكذلك تمت مؤلف.