مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2101 - الجزء 4

  وعدمه على سواء، وقال أبو علي: بل يتعارضان، لكن داعي الترك مدفوع؛ لأنه يدعو إلى خلاف ما في العقل، وذلك أن الأول داعٍ إلى النظر ليزول الخوف، والآخر داعٍ إلى تركه، والمقام على الحيرة فلا حكم له.

  فإن قيل: إذا تعارض الخاطر والوسوسة، ثم إن الله تعالى قوى الخاطر كما قلتم، ثم ذهل المكلف عن الخاطر، فهل يجب على الله تعالى إعادته مرة بعد مرة حتى يخاف؟

  قيل: ذكر في (الغياصة) أن ظاهر كلام أصحابنا يقضي بوجوب ذلك، قال: والأولى أن لا يجب؛ لأن الإنسان أتي من جهة نفسه. وأما الفرق بينهما فمن حيث أن الخاطر من جهة الله تعالى⁣(⁣١) وداعا إلى الخير، والوسوسة من جهة الشيطان وداعية إلى الشر.

  قال في (الغياصة): والوسواس من الشيطان كلام خفي في باطن السمع وناحية الصدر، يهون الأمر على المكلف، ويقول: لا تنزل بنفسك مشقة النظر ولا غيره، فليس ثمّ أمر تخافه.

  وقال في (المعراج): اعلم أن الخاطر والوسواس لا يسميان بذلك إلا إذا كانا كلاماً خفياً في باطن السمع أو ناحية الصدر، ولهذا يلتبسان بالفكر. وقد نص صاحب المحيط على أن الشياطين لا يقدرون على أن يُسْمِعُوْنَا كلامهم جهرة؛ إذ لو كان كذلك لعظمت الفتنة بهم، وكانوا يوقعون أسباب العداوة بين الناس بما يسمع منهم فيظن أنه من جهة


(١) أما ما كان من جهته تعالى فنسبته إليه ظاهرة، وأما ما كان من الملك فلأنه فعله بأمر الله. تمت مؤلف.