تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  قيل: طريق العلم تتعلق بما يتعلق به العلم، كالإدراك بحاسة البصر فإنه طريق إلى العلم بالمشاهد، وهما يتعلقان معا بالمشاهد، بخلاف النظر فإن متعلقه الدليل، ومتعلق العلم المدلول، فلا يصح أن يكون طريقاً إليه؛ وكذلك لا يصح أن يكون داعياً إليه؛ لأن الداعي يختص بشيء بعينه، والنظر ليس كذلك؛ إذ ليس دعاؤه إلى اعتقاد المدلول على صفة أولى من غيرها، وإنما الناظر يستكشف به عن حال ما ينظر فيه؛ وأيضاً الداعي علم الإنسان، أو ظنه، أو اعتقاده بأن له في الشيء جلب نفع، أو دفع ضرر، وليس هذا حال النظر. لا يقال: فقد جعلتم التذكر للنظر داعياً مع أنه وليس بأن يدعو إلى صفة أولى من غيرها؛ لأنا نقول: بل هو يدعو إلى صفة معينة، وهو أنا نصير إلى مثل الصفة(١) التي كان عليها من قبل.
  فإن قيل: فهلا كان شرطاً؟
  قيل: لأن من حق الشرط المقارنة، والنظر(٢) متقدم على العلم.
  فإن قيل: هو شرط اعتيادي كما قال الجاحظ كالحفظ عند الدرس.
  قيل: فكان يجوز اختلاف العادة فيه كالحفظ، فإن أحدنا قد يدرس ولا يحفظ، أو لا يحفظ إلا بدرس كثير، والآخر قد يحفظ بالدرس القليل، والمعلوم أن النظر بخلافه فإن الناظرَين إذا استويا في صحة النظر واستحضار مقدماته ولد نظرهما العلم في الوقت الثاني، وإذا حصل لأحدهما العلم دون الآخر أو قبله، فإنما هو لكون نظر أحدهما
(١) وهي العلم بالمدلول. تمت مؤلف.
(٢) فلا يجعل شرطً فيه إذ لا تأثير للشرط إلا إذا قارن وذلك ظاهر بين. تمت مؤلف.