تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  والحجة على ذلك أنه لا يمكن الإشارة إلى أمر نجعله دليلاً على أن أنفسنا(١) ساكنة، ولا ريب في أنا نقطع بسكونها فتعين أن العلم بذلك ضروري. وأيضاً لو لم يكن ضرورياً لصح أن ينظر أحدنا في الدليل على الوجه الذي يدل فيعلم المدلول، ولا يعلم أن نفسه ساكنة، بأن لا ينظر في كونها ساكنة، أم لا، أو ينظر لا على وجه الصحة، والمعلوم أن أحدنا عند أن يحصل له العلم لا يشك في سكون نفسه من دون نظر. وأما قوله: إن علمنا بكون ذلك الاعتقاد علماً ليس كعلمنا بأن الواحد نصف الاثنين - فلا نسلمه، بل هما سواء؛ لأنهما راجعان إلى أمر موجود في النفس، سلمنا فلا يشترط استواء العلوم الضرورية؛ لما مرَّ من أن منها ما يحصل فينا ابتداء، وهذا أقواها وأجلاها، ومنها ما يحصل عن طريق، وهذا يتفاوت بتفاوت طرقه. وباختيار الثاني، وهو كون العلم به استدلالياً كما ذهب إليه الجمهور، فإنهم يقولون: إن كان المقتضي(٢) له ضرورياً فهو معلوم ضرورة، وإن كان المقتضي له استدلالياً فهو استدلالي، واحتجوا بأنه إذا كان الاعتقاد استدلالياً فبالأولى ما هو مقتضى عنه؛ لأنه كالفرع له، وبأنه لو كان ضرورياً لم يصح زوال العلم الاستدلالي بعد حصوله؛ لأنا مضطرون فيه إلى سكون النفس، وأجابوا عن لزوم التسلسل بأنه غير لازم؛ لأن الدليل
(١) قد جعل الجمهور الدليل على ذلك عدم وقوع التشكيك وعدم تجويز العالم خلاف ما اعتقده فإذا عدم هذان الأمران عرف أن نفسه ساكنة. تمت مؤلف.
(٢) المراد بالمقتضي له الاعتقاد الأول؛ لأنه علة في حصول هذا العلم الذي هو علمنا بسكون النفس، تمت مؤلف.