تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  بسلامة طرقه كما يقوله أبو علي، وسيأتي تحقيقه بعد هذا.
  والجواب عن الوجه الثاني: أنا لم ندَّع في كل نظر أنه يوصل إلى العلم، وإنما يوصل إليه الصحيح، وأما الاختلاف فهو لا يدل على مطلوبهم؛ لأنه قد يقع لشبهة تدعو إلى الجهل، أو لضرب من اللبس كما في الإدراك فإنا متفقون على أنه طريق إلى العلم، مع أنه يختلف الحال فيه كمن يرى الشراب فيلتبس عليه بالماء، وكاختلاف الشخصين في الحساب فيدعي كل منهما أنه المصيب، ثم ينكشف لأحدهما خطؤه، وأما قولهم: إذا علمنا خطأ بعضهم جاز في الآخرين مثلهم، فباطل؛ لأنه إنما يلزم ذلك لو لم يكن لنا ما نعرف به كون الاعتقاد علماً، وليس كذلك فإنا نعرفه إما بسكون النفس على ما قاله الجمهور، وقد مرَّ أن علمنا بذلك إما ضروري، أو استدلالي على الخلاف، وإما بسلامة طرقه من الانتقاض على ما يقوله أبو علي؛ لأن الجاهل قد يكون ساكن النفس كما قاله الجاحظ، وكذلك المقلد مع أن اعتقادهما ليس بعلم، وما قيل في الرد عليه بأن في العلوم ما لا طريق إليه كالبديهي وغيره(١)، وإنما يعرف كونه علماً بأمر يرجع إليه، - فمدفوع بأنه إنما جعل ذلك طريقاً في المكتسب، وكل علم مكتسب فله طريق أي دليل، وهذا هو المطابق لحكاية قاضي القضاة عنه فإنه لم يحك عنه إلا أنه يجعل تميز العلم المكتسب عن غيره بسلامة طريقه ودليله، وهذا هو الذي يتصور منه، قالوا: لا تعرف سلامة طريقه إلا بعد معرفة كون الاعتقاد الحاصل عنها علماً.
(١) يعني كعلم المنتبه من رقدته. تمت مؤلف.