مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2113 - الجزء 4

  ويجاب بأنا لا نسلم ذلك، بل الأمر بالعكس، وهو أنه إنما يعرف ما ذكرتم بعد علمه بسلامة طرقه بأن تكون مقدماتها صحيحة، واستنادها إلى أصول معلومة بالضرورة. ومن أدلة أبي علي أنا لا نتمكن من تعريف الغير بأن اعتقادنا علمٌ دون اعتقاده إلا ببيان سلامة طريقنا دون طريقه. وأجيب بأنه لا حجة له في ذلك؛ لأنا لا نتمكن من تعريف الغير بسكون النفس إلا بذلك، ولو كان يمكن بغيره لكان هو الواجب، وليس الكلام في تعريف الغير، وإنما هو فيما به يعرف المرء أن اعتقاد نفسه علم. وأما كلام الجاحظ فواضح السقوط؛ لأن الواحد منا يجد من التفرقة بين اعتقاده كون زيد في الدار عندما شاهده فيها، أو خبر الصادق بذلك، وبين أن يخبره رجل من آحاد الناس - ما لا يجده الجاهل، وكذلك المقلد، وإنما يتصوران بصورة ساكن النفس، ولذا لو شكك عليهما لاضطربا في الاعتقاد. وإذا تقرر لك هذا علمت أن لنا سبيلاً إلى معرفة كون الاعتقاد علماً. على اختلاف الأصحاب في ذلك السبيل كما عرفت، وإذا ثبت أن لنا إلى معرفته سبيلاً بطل ما ذكره الخصوم في الوجه الثاني. والحمد لله.

  والجواب عن الوجه الثالث: أن الممنوع كون المطلوب معلوماً من الوجه الذي يطلب بالنظر تحصيله، فأما العلم به من وجه آخر فيجب ليمكن طلبه؛ إذ المجهول المطلق لا يمكن طلبه، ولا محذور في طلب ما هو معلوم بوجه من الوجه المجهول؛ إذ الامتناع في توجه النفس إليه لكونه معلوماً ببعض عوارضه؛ والحاصل أنه يجب أن يعلم إجمالاً بوجه ما.