مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2114 - الجزء 4

  فإن قيل: فما الوجه الذي علم به الباري تعالى إجمالاً حتى يمكن توجه النفس إلى معرفته بالنظر؟

  قيل: هو ما ينبه عليه الخاطر ونحوه من حدوث العالم، وأنه محتاج إلى محدث؛ لأنه إذا حصل هذا العلم علم أن محدث العالم شيء، فتتوجه النفس إلى معرفة ذلك الشيء.

  والجواب عن الوجه الرابع: أن العلم بذلك ضروري، وهو ما قدمناه من أن العلم يقل أو يكثر بحسب قلة النظر وكثرته، وأنه إذا وقع على وجه الصحة يوجب حصول العلم أن العقلاء لو لم يعلموا أنه يوصلهم إلى الصواب لما فزعوا إليه عند التباس الأمور وارتباكها، والمعلوم أنهم عند التباس الأمور يفزعون إلى النظر ويذمون تاركه، وهذان الدليلان ضروريان بلا شك، والمخالف مكابر فلا يعتبر بخلافه، ولا يقدح في كونه ضرورياً.

  والجواب عن الوجه الخامس: أنه مبني على ما يذكره الفلاسفة، ومن مال إلى علومهم، من أنه لا يوصِلِ إلى العلم إلا الدليل المركب من الأشكال الأربعة، وقد مر في المقدمة إبطال مذهبهم، وأن الدليل هو ما إذا نظر الناظر فيه نظراً صحيحاً أوصله إلى العلم بالغير، سواء تركب من تلك الأشكال أم لا.

  قال بعض المحققين: الدليل عندنا على إثبات الصانع هو العالم، وعند المنطقيين أن العالم حادث، وكل حادث له صانع، فالدليل عندهم هاتان القضيتان مع هيئة الترتيب العارضة لهما. ثم إنا لو سلمنا لهم ذلك فمن أين لهم منع المقدمتين في الذهن دفعة واحدة،