تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  ولا أظن أحداً يقول بهذا من الحكماء، فإن علماء المنطق قد نصوا على عكسه، ففي الشمسية وشرحها وما عليها من الحواشي: أن العلم النظري يحصل بالفكر، قالوا: والفكرة ترتيب أمور معلومة حاصلة في الذهن للتأدي إلى المجهول، كما إذا حاولنا تحصيل معرفة الإنسان، وقد عرفنا الحيوان الناطق رتبناهما بأن قدمنا الحيوان، وأخرنا الناطق حتى يتأدى الذهن منه إلى تصور الإنسان. فهذا نص منهم على أنه لا بدَّ من استحضار المقدمتين في الذهن قبل ترتيبهما؛ ويؤيد ذلك أنهم لم يمنعوا استحضار المتعددات في الذهن إلا إذا كانت لا نهاية لها، وإنما منعوا استحضار ما لا نهاية لها إذا كان استحضارها دفعة واحدة، أو في زمان متناهٍ، فأما إذا كان في أزمنة غير متناهية فقد نصَّ على جوازها في حواشي الشمسية؛ وإذا عرفت هذا عرفت أنه لا وجه لمنع استحضار المقدمتين دفعة واحدة، وأن كلام أئمة الفن قاضٍ باشتراطه ليمكن ترتيب المقدمات، وقد مرَّ عن أبي عبد الله أنه يجب التنبيه على الأدلة في حالة واحدة. وأما قوله: إن الخاطر إذا توجه إلى معلوم ... إلخ - فمغالطة ظاهرة؛ لأنا لو سلمنا ذلك فليس توجهه إلى المقدمتين ليعلمهما؛ لأن حصولهما في الذهن قبل التوجه إليهما لا بدَّ منه كما مر، وإنما توجه إليهما ليستدل بهما، وقد صارتا بالتركيب كالشيء الواحد؛ ولذا قال المناطقة: إن الترتيب في اصطلاحهم جعل الأشياء المتعددة بحيث يطلق عليها اسم الواحد(١)، وإذا كان التوجه إلى المقدمتين من حيث الاستدلال بهما ومصيرهم دليلاً واحداً لم يكن التوجه إليهما إلا توجهاً واحداً، على أن توجه
(١) نحو تسميته حداً ورسماً. تمت مؤلف.