مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2117 - الجزء 4

  قال الإمام عز الدين: اعلم أن التقليد الذي يصرف عن النظر والفكر، والبحث والتأمل، والعلاج الشديد في إدراك الحق ووجدانه علي ضربين:

  أحدهما: تقليد الآباء والنشأ على مذهبهم، وموافقة أهل بلده وجهته.

  قال الحاكم: لأنه إذا اعتاد ذلك واستمر عليه تتعذر عليه مفارقته؛ ولهذا قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}⁣[الزخرف: ٢٣].

  وثانيهما: أن يشاهد أكثر الناس على مذهب فيعتقد أنه الحق لذهاب الأكثر إليه، فيستكفي بذلك عن النظر المستلزم للمشقة، ولا ينظر إلى قوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٧٥}⁣[النحل] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ}⁣[الأنعام: ١١٦] {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ١٣}⁣[سبأ] وقول أمير المؤمنين: (الحق لا يعرف بالرجال ...) الخبر. ومنها: أن النظر في الأدلة، والخوض فيها قد يؤدي إلى الزندقة، والفساد في الدين، فيجعل ذلك سبباً للامتناع منه على ما يعتقده بعض المتفقهة؛ وهذا غلط فاحش؛ لأنه لو كان كذلك لكان الله تعالى لا يدعو عباده إلى النظر. ومنها: أن يكون له رئاسة، أو يؤمل ذلك، ويخاف فوتها إن اشتغل بالنظر وخاض في الكلام، فيعدل عنه إلى غيره من العلوم والآداب.

  قال الحاكم: وهذا أمر أكثر المتفقهة؛ لأنهم يؤملون نيل رئاسة يخافون فوتها إن خاضوا في الكلام، ولذلك تري كثيراً منهم يعدل عنه مع البصيرة بأنه واجب حتى يتعلم سراً ويظهر خلافه جهراً، وما عليه