تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  أصحاب الحديث من أنهم لو خاضوا في علم الكلام لفارقوا طريقة السلف، ولذلك تراهم يحتجون بقول فلان وفلان، ويعدلون عن الحجج. ومنها: ما يصرف عن العلم الحاصل بالنظر، وذلك إما لشبهة تطرأ عليه فلا يمعن النظر في حلها، أو يتقاعد عنه تكاسلاً، وإما للتعصب للأسلاف فيعرض عما يخالفهم وإن قاد إليه النظر كما هو حال كثير من المخالفين، وإما لاتباع مذهب يكون له به رئاسة، ويصير به قدوة وإن كان باطلاً.
  قال في المعراج: روي عن الأشعري أنه قال: أحب إلي أن أكون رأساً في الباطل ولا ذنباً في الحق.
  والجواب عن الوجه الثامن: أن نقول؛ أما من يقول: إن معرفة كنه ذات الباري تعالى وحقيقته غير ممكنة، وأنا غير مكلفين بمعرفة الحقيقة، وإنما كلفنا بإثباتها، فلا يرد عليهم هذا الإشكال، ولا يتوقف الواجب من معرفته على تصور ذاته جل وعلا، وإنما يعرف بالدليل. وقولهم: إذا لم تكن ذاته متصورة امتنع التصديق بثبوته وثبوت صفاته باطل، فإن العلم بأن للمصنوع صانعاً والتصديق به لا يستلزم وجوب معرفة كنه صانعه وحقيقة ذاته، كالآثار المصنوعة في القفار، فإنا إذا رأيناها نعلم ضرورة أن لها صانعاً، موجوداً، حياً، قادراً، عالماً بما صنع، ويكفينا ذلك من غير احتياج إلى معرفة كونه ذاتاً معينة، بل ولا يحتاج إلى معرفة جنسه من كونه جنياً أو إنسياً، ولا نوعه من كونه ذكراً أو أنثى، فإذا كفانا هذا في الشاهد مع أنه قد يمكننا أن نعرفه